في الخامس عشر من يونيو لعام 1858م قام كابتن بريطاني يُدعى وليم بولن William Pullen بقصف جدة من سفينته الحربية الجاثمة على بعد من شواطئ جدة بدعوىتحقيق العدالة. والقصة باختصار شديد حسب رواية وليام اوشيزنولد William Ochsenwald في كتابه "الدين، الاقتصاد، والدولة في تاريخ العرب العثمانيين" ان عدد من جنود البحرية البريطانية قاموا بإنزال علم الدولة العثمانية من احد السفن وداسوه بالاقدام ورفعوا العلم البريطاني مكانه. ثار نفر من اهل جدة كرد فعل لما اقترفه الانجليز بحق العلم العثماني وقتلوا ـ حسب الرواية ـ ما يقارب العشرين شخص كان منهم نائب القنصل البريطاني والقنصل الفرنسي وزوجته وكان من ضمن القتلى ايضاً سبعة فرنسيين او تحت الحماية الفرنسية و ستة بريطانيين وسبعة عثمانيين وروسي ويوناني. ويزعم الكاتب أن جثث الأجانب قد سحلت في الشوارع عارية. ولتحقيق العدالة المزعومة حصل مجرم الحرب بولن على تفويض ودعم كاملين من الحكومتين البريطانية والفرنسية بعمل أي إجراء ممكن "مهما كلف الثمن" لإيجاد القتلة وإعدامهم. بناءً عليه قام هذا الكابتن بإصدار فرمان نيابة عن الدولتين إياها بأنه سيمطر جدة وساكنيها وسفنهم بالقذائف حتى يُسلموا من قتل الأجانب. وفي يوم 25 من يوليو1858م قام مجرم الحرب هذا فعلاً بقصف جدة وقرية الروييس ـ وما أشبه ذلك بما يحدث في الفلوجة الآن ـ دون أدنى اعتبار أو رحمة للشيوخ والنساء والأطفال والمسلمين الذين قدموا للحج حيث كان ذلك موسم حج. فقام بإطلاق أكثر من مئة قذيفة من سفينته على بعد من ميناء جدة فأمطر جدة بوابل من القذائف المدفعية والصواريخ دمر على أثرها ما يقارب الاثنين والعشرين سفينة تجارية راسية على ميناء جدة تنتظر الحجيج لأخذهم إلى بلدانهم ولم يجرؤ احد على الرد عليه ولو بقذيفة كلامية. وبعد ظهر ذلك اليوم وحده فقط أُزهقت مالا يقل عن سبعة أرواح بريئة من أهل جدة، وهرع بعدها أهل جدة شيوخهم ونسائهم وأطفالهم إلى القرى والجبال والصحاري المجاورة في لهيب الحر خوفاً على حياتهم من قصف ذلك السفاك. طبعاً لم يذكر الكاتب عدد القتلى من المسلمين طيلة أيام القصف البربري كعادة الأمانة العلمية لمعظم كتاب الغرب إذا ما تعلق الأمر بالمسلمين ومن يتابع الـ CNN او الـ BBC وغيرها من القنوات الغربية يرى ذلك جلياً في تغطيتهم لأخبار العراق وفلسطين. للأسف لم أقراء هذه القصة في أي مصدر عربي وقد يكون هذا لقلة إطلاعي ـ لذا أرجو ممن لديه مصادر عربية للقصة أن يعلق على موضوعي هذا. هذه هي القصة كما يرويها الإنجليز وأسموها بمذبحة جدة “The Jidda Massacre of 1858” هكذا سمية في كتبهم والقصد هنا هو من ذبح من الأجانب ولم نجدهم يتحدثون عن مذبحة بولن لأهل جدة والتي ممكن أن نسميها نحن بـ “Pullen’s Massacre”. وما قامت به القوات الأمريكية في الفلوجة، وما قامت به قوات بلد الحرية فرنسا في الجزائر من مذابح والتي كان من أبشعها ذبح ألف مسلم معتصم في مسجد، وما تقوم به الآلة الصهيونية في غزة الآن من حصد لأرواح الأبرياء من المسلمين ما هو إلا إعادة تمثيل سيناريو قديم ثبتت فاعليته، فرغم مضي ما يقارب المائة والخمسون عام على هذه القصة إلا أن الفكر الصليبي الصهيوني السياسي يضل بنفس الحقد وما رفعوه في الماضي ويرفعونه في الحاضر من شعارات الحرية وحقوق الإنسان ما هي الا حقوق وحرية أصحاب الأعناق الحمراء. ولكن للاسف هم يقرؤون التاريخ ويعرفونه ويستخدمونه في حاضرهم ومستقبلهم ونحن لا نعرفه ابتداءً. فكم منا يعرف أي شي عن هذه القصة؟
نهاية القصة تقول انه في 12 يناير من عام 1859 تم تسليم المطلوبين وإعدام عدداً منهم كان منهم قائد الحضارمة ومحتسب جدة آنذاك وعزل ونفي عدد من رجالات جدة كان منهم قائم مقام جدة الذي نفي إلى قبرص ليقضي بقية عمره في السجن. وقد دفعت الحكومة العثمانية مبالغ طائلة تعويضاً للإنجليز والفرنسيين. أما التعويضات عن مجازر بولن للمسلمين وتحطيم سفنهم فما أشبه اليوم بالبارحة ؟؟
فانتهاك البلدان واغتصاب أراضيها وقتل الأبرياء بدعوى تحقيق العدل والرفاهية والحرية للشعوب هي دعوى غربية قديمة تظهر مالا تبطن لينساق وراءها كل جاهل يسبق هواه عقله. هي حرية وعدل ورفاهية من نوع التي ينعم فيها الآن الهنود الحمر و سكان استراليا الأصليين.
مقتبس
موضوع: من مذبحة جدة الى مذبحة غزة 
