بسم الله الرحيم الرحمن
والصلاة والسلام على النبي العدنان .. محمد .. وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وتولاهم إلى يوم الدين بإحسان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعدُ فإن هذا الموضوع يتناول إحدى القضايا المهمة .. والتي طالما غابت شمسها عن كثيرٍ من المساحات الشاسعة والمفتوحة في أرجاء الشبكة المعلوماتية..
ولقلـّـما رأينا من يكتب عنها أو يتناولها في سير كلامه عن المسلمين أو العرب أو " الفلسطينيين " ..
ما دفعني لكتابة هذا الموضوع هو ما لاحظتهُ من شـحٍ مخيف في المعلومات عنه عند كثيرٍ من أشقائنا في الدول العربية ..
وكوني أحد أفراد شعبٍ وقعَ عليهِ الظلمُ كـِفلين .. وتجرّعَ الويلات وعانى الأمرين ..
وجدتُ نفسي شريكاً في عملية " التعتيم " و " طمس " المعالم والهوية الأصلية لهذا الشعب إن لم أكتب عنه وأوضحُ صورته وأظهرُ للجميع كافة معالمه .
_________________________________________________________________________________________
:::: مقدمة ::::
" فلسطينيو الداخل " .. " عرب الداخل " .. " عرب 48 " أو "" عرب إسرائيل "" - حسب تسمية الإعلام الصهيوني - ..
مسميات كثيرة لجزءٍ لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني .. والذي يعيش داخل خط الهدنة أو ما يسمى " الخط الأخضر " ..
هذا الشعب الذي وقع بين مطرقةِ الصهيونية المتطرفة وسندان بعض الأشقاء العرب ..
فنحنُ بنظرِ الصهاينةِ المتطرفين نشكلُ خطراً استراتيجياً على " أمن الدولة " بتكاثرنا .. وخطراً قومياً بانتمائنا .. وخطراً عرقياً بعروبتنا .. وخطراً " إرهابياً " بديننا ..
وجميعهم ينظرون إلينا بعين السخطِ والحقد والازدراء .. ناهيكم عما نواجهه -علناً - من عنصرية وتمييزٍ بغيضين..
أما الأشقاءُ العرب فينقسمون إلى ثلاثةِ أقسام :
<> قسمٌ يجهلُ حقيقتنا ولم يسمع في حياتهِ قطّ عن فلسطينيي الداخل ولا الخط الأخضر وليس له علاقة بالأمرِ من قريبٍ أو بعيد ..!
<> قسمٌ يعلم ويعرف وينظرُ إلينا كحلفاء للصهاينةِ ومتعاونين معهم .. ومن أبرز الصفات التي يصفوننا بها وأكثرها شيوعاً بأننا " خــَوَنة " تربينا منذ نعومةِ أظفارنا بين أحضانِ مؤسسي الدولةِ الصهيونية ..!
<> قسمٌ يعلم ويعرف حقيقتنا ويعلم بأننا فلسطينيين لا نقلّ عنهم وطنية وتشبثاً بالدين والأرضِ والشرف والكرامة والعروبة .. ولكنه لا يعلم القصة الكاملة وسير الحياة .
لستُ هنا لألقي اللومَ على أحد .. ولكن بكلماتٍ بسيطة فإن للإعلام العربي حصة الأسد في التغييب والتعتيم بالسماح للثقافة الغربية بالتعشيش في معظم العقول العربية جرّاء الغزو الفكري والثقافي وو إلخ ..
كما أن لمعظم المثقفين العرب ذات الدورِ البارز في تزييف أو طمس بعض الحقائق والتغاضي عن أخرى يرونَ في كتابتها مضيعةً لوقتهم الثمين !
أنا هنا لأصطحبكم معي في رحلةٍ قصيرةٍ ندخلُ من خلالها بوابة التاريخ ونجول قليلاً في أروقته لمعرفةِ الحكاية من البداية .. منذ سقوط الدولة العثمانية والانتداب البريطاني وحتى يومنا هذا ..
في رحلتنا محطات عدة جديرة بالتوقف عندها .. وبسم الله أبدأ سائلاً إياه التوفيق والسداد
_________________________________________________________________________________________
:::: سقوط الدولةِ العثمانية وبداية الانتداب البريطاني ::::
سقطت الدولة العثمانية عام 1918 مع نهاية الحرب العالميةِ الأولى لتصبح المنطقة العربية بعد ذلك هدفاً لتحقيق أطماع الغربِ الأوروبي فيها .. فبدأ تقسيم " الكعكة " .
وكانت بريطانيا قد احتلت فلسطين وإمارة شرق الأردن مع بداية نهاية الحرب العالمية الأولى .. واستمر هذا الاحتلال حتى أضفيت عليه الشرعية من قبلِ عصبة الأمم بإقرار نظامِ الانتداب عام 1919 وبعد بدء العمل به رسمياً عام 1922 ..
حيث ظهرت نوايا الغرب الأوروبي خلال هذه الفترة بتوطين اليهود على أرضِ فلسطين .. متمثلة بوعد بلفور الشهير ومستمرة بالانتداب وتدفق أعداد اليهود إلى فلسطين والذي كان قد بدأ في أواخر القرن التاسع عشر ..
الأمر الذي جعلَ المنطقة برمتها ساحة مفتوحة للصراع العربي اليهودي في ظلّ الانتداب البريطاني الذي وفرّ لليهود ستراً مناسباً لاغتصابِ الأرضِ تحت جنح الظلام ..
استمرّ الانتداب البريطاني على فلسطين مع استمرار المقاومة العربية لتهويد الأرض مروراً بالحربِ العالميةِ الثانية والمحرقة اليهودية المزعومة " الهوليكوست " في مطلع الأربعينيات ..
وهي الفترة التي شهدت تعاظماً في تدفق اليهود إلى فلسطين واشتدّت فيها حدّة الصراع .
_________________________________________________________________________________________
:::: قرار التقسيم ونهاية الانتداب ::::
في أواخر عام 1947 أصدرت الجمعية العامة للأمم (( المــُ( ل )ــتحــِدة )) قراراً يقضي بتقسيم فلسطين وجعلها موطنين للعرب واليهود ..
وقد صدر القرار بعد موافقة 33 دولة ومعارضة 13 معظمها من الدول العربية وامتناع 10 دول عن التصويت ..
كان في القرار ما يكفي من " ظلمٍ وإجحافٍ " ليبدي العربُ منه امتعاضهم .. حيث منحَ اليهود أكثر من نصف الأرض في حين كانت نسبتهم ما يقارب الـ 30% نسبةً لأصحاب الأرض !!
عقد - في نفس العام - اجتماع في القاهرة ضمّ الدول العربية أعلن فيه الزعماء العرب رفضهم لقرار التقسيم وقرروا إرسال قواتٍ نظاميةٍ " متواضعة " لمساندة الفلسطينيين في مقاومة اليهود سُميت حينها بجيش الإنقاذ ..
إنتهى الانتداب البريطاني في شهر 5/مايو 1948 بعد أن مهد الطريقَ لليهود لإعلان استقلال " دولتهم " .
_________________________________________________________________________________________
:::: إعلان استقلال دولة " إسرائيل " وبداية النكبة ::::
إنتهى الانتداب البريطاني بتاريخ 14/5/1948 .. وأعلن " مؤسس إسرائيل " .. ( دافيد بن غوريون ) .. استقلال دولة إسرائيل بتاريخ 15/5/1948 ..
هذا الإعلان الذي أشعلَ شرارة الحرب العربية الإسرائيلية .. بعد أن رفضت الدول العربية قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة .. وبعد اعتراف الولايات المتحدة بالكيان الجديد رسمياً !
فتقدمت الدول العربية بجيوشها النظامية من الأردن والسعودية والعراق ولبنان وسوريا ومصر إلى فلسطين وكبّدت اليهود خسائر فادحة وحاصرت قوات كبيرة في مدينة القدس ..
هذه هي الحرب الأولى بين العرب و " إسرائيل " .. دخلت التاريخ من أوسع أبوابه باسم " النكبة الفلسطينية " .
_________________________________________________________________________________________
:::: النكبة الفلسطينية ::::
وافقت الدول العربية على الالتزام بهدنةٍ أقرها مجلس الأمن بعد أن تقدمت بريطانيا بطلبها وذلك استمراراً لدورها في رعاية اليهود وحمايتهم ..
حيث كان في الموافقة على الهدنةِ ووقف إرسال الأسلحة للدول العربية .. إنقاذ اليهود من الحصار في مدينة القدس ..
وافق العرب على الهدنةِ الأولى .. ولكن سرعان ما خرقتها إسرائيل وتجدّدَ القتال في التاسع من حزيران عام 1948 .
وضعت الحربُ أوزارها عام 1949 بعد اعتراف المجتمع الدولي بالكيان الصهيوني رسمياً وقبول إسرائيل كعضو في الأمم المتحدة .. وبعد موافقة الدول العربية على هدنةٍ ثانية ..
فكانت تلكَ الموافقة بمثابةِ إعلانٍ للهزيمة في الحرب .
استطاعت الجيوش العربية الحفاظ على أراضي الضفة الغربية خلال الحرب .. ليعيش من فيها كلاجئين على أرضهم في ظلّ دولةِ الاحتلال ..
وقد تم تهجير معظم سكان سائر القرى والمدن الفلسطينية وترحيلهم عن قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وبعض الدول العربية كالأردن ولبنان .
ويجدر الذكر بأن اعتراف المجتمع الدولي بالكيان - قبيل انتهاء الحرب - كان مشروطاً بعودة اللاجئين المهجرين إلى منازلهم .. ولكن لم يدم العمل بهذا الشرط سوى ثلاثة أعوام ..
وكعادة الكيان الصهيوني الذي يعشق الالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات لكي يستمتع بعد ذلك بخرقها أمام أنظار جميع الصامتين !
_________________________________________________________________________________________
:::: خط الهدنة " الخط الأخضر " ::::
بعد سريان الهدنةِ الثانية وهزيمة العرب في الحرب واستيلاء اليهود على جزءٍ كبير من الأرض الفلسطينية .. حددت الأمم المتحدة خطاً " وهمياً " يفصلُ الدولة العبرية عن " جاراتها " ..
ففصلَ الخط كامل الضفة الغربية والدول العربية .. الأردن وسوريا ولبنان جغرافياً عن حدود الكيان .. وسمي هذا الخط الظاهر على الخريطة بـ " خط الهدنة " .
_________________________________________________________________________________________
_________________________________________________________________________________________
:::: عرب 48 أو عرب الداخل ::::
بعض السكان الأصليين لم يتركوا بلادهم بالرغم من اشتعال الحرب .. فبقوا داخل الحدود الجديدة لـ " دولة إسرائيل " وبذلك فإنهم " داخل " الخط الأخضر ومن هنا جاءت التسمية الثانية " عرب الداخل " ..
والبعض الآخر عاد إلى دياره بعد انتهاء الحرب عملاً بالشرط الذي وضعته الأمم المتحدة والتزمت به إسرائيل لقبولها كعضو رسمي في المجتمع الدولي .. وقبل صدور قرار منع المواطنة لللاجئين الفلسطينيين في داخل حدود الدولة العبرية والذي أصدره الكنيست الإسرائيلي عام 1952 ..
أي أن كلّ من بقي أو عاد إلى دياره قبل هذا التاريخ فهو مواطنٌ من مواطني دولة " إسرائيل " حاصلٌ على الجنسية الإسرائيلية ..
بلغ عدد المتمسكين بديارهم وأرضهم والعائدين إليها حوالي 132 ألف فلسطيني .. عاشوا مرحلة من التشرد والمعاناة من ويلات الحرب .. والآن عليهم أن يخوضوا حرباً أخرى ..
حرب البقاء والحفاظ على الهوية في ظلّ الحصار الخانق ..
فقد فرض الحصار على جميع القرى المهجرة واعتبرتها إسرائيل مناطق عسكرية مغلقة تخضع لحكم عسكري استمر حتى عام 1966 ..
وقد هدف الحكم العسكري لمنع جميع المهجرين " اللاجئين " داخل حدود إسرائيل من المواطنين العرب من العودة إلى قراهم المهجرة والتمركز في مناطق أخرى داخل حدود الدولة ..
وكانت معاناة المواطنين العرب تتمثل في تقييدهم بتصاريح للخروج والدخول من وإلى قراهم .. إضافة لصعوبة تحصيل لقمة العيش بسبب انعدام فرص العمل وسوء الأحوال وكأنهم غرباء في وطنهم !
ولكن سرعان ما تحسن الوضع بعد انتهاء الحكم العسكري عام 1966 .. وتحسن الوضع أكثر بعد حرب الأيام الستة ( 1967 ) وبعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 ..
حيث فتحت الطرق لدولتين عربيتين ( الأردن ومصر ) وازدادت وتيرة التنفس في الوسط العربي داخل إسرائيل بعد الحصار الخانق والحكم العسكري ..
هؤلاء أو " نحن " الـ 132 ألف .. يبلغ عددنا اليوم ما يقارب المليون وثلاثمائة ألف فلسطيني نعيش في دولة " إسرائيل " كمواطنين حاصلين على الجنسية الإسرائيلية بنسبة 18% من إجمالي المواطنين ..
نقيم في ثلاث مناطق رئيسية معروفة في البلاد وهي الجليل ( شمالاً ) والمثلث ( مركز البلاد ) والنقب ( جنوباً ) ..
_________________________________________________________________________________________
..