أيهما أكثر النساء ام الرجال - قصة مأخوذة من الحكايات الشعبية -
كانت قصور الملك سليمان عامرة بالكنوز الثمينة , ولكنه كان يحرص أكثر ما يحرص على خاتم ذهبي لم ينزعه من إصبعه . وكان هذا الخاتم مسحوراً ... من يلبسه يعرف لسان الوحوش والطيور والنباتات , ويصبح سيداً مسيطراً على كل دابة حية .
وذات مرة , وبينما كان سليمان في رحلة صيد , أراد أن يرطب وجهه بماء الجدول البارد . وحينما غرف الماء براحته انزلق الخاتم من إصبعه وسقط في الماء . وهم سليمان بالقاء نفسه في الماء لإلتقاط الخاتم , ولكن في تلك اللحظة مرت سمكة كبيرة فابتلعت الخاتم .
وسار سليمان على الشاطئ مهموماً حزيناً , وقضى وقتاً طويلاً في السير وهو لا يدري , حتى رأى امامه كوخ وحيد بجواره شباك صيد نشرت لتجف .
كان الليل قد اقترب , فدخل سليمان الكوخ . وما أن عبر عتبته حتى سمع صوتاً قبيحاً يقول :
-شكراً للأقدار , جائنا العشاء الى الدار .
وتملك الرعب سليمان , اذ رأى امامه وسط الكوخ غولة مهولة . وهي تمد نحوه مخالبها . وأسرع سليمان يستل خنجره ليدافع عن نفسه وإذ به يسمع صوتاً عذباً كشدو البلابل :
- لا تلمسيه يا أماه , انظري كم هو جميل ومهيب . حتى الملك سليمان لا يبدو أجمل منه .
والتفت سليمان ناحية الصوت , فقد رأى على البساط بجوار الموقد فتاة رائعة الجمال .
وقالت الغولة :
أنت محظوظ أيها الغريب اذ اعجبت بك ابنتي -بولوك- سأعفو عنك ولن أكلك , فلترحل سريعاً فعما قريب يأتي زوجي وعندئذ لن يرحمك .
فقال لها سليمان لن أتحرك حتى أخذ في يدي - بولوك - الجميلة .
وفي هذه اللحظة سمعت الغولة صوت زوجها فصاحت في سليمان :
- ادخل ايها الاحمق الصندوق ! هيا بسرعة !
وما أن اغلقت عليه غطاء الصندوق حتى اقتحم الكوخ الغول - دياو - العجوز .
وزأر بصوت هادر :
- أشم رائحة البشر .
فانهالت عليه زوجته الغولة تقريعاً :
- يبدوا انك خرفت تماماً ايها العجوز انها رائحة الفارس الذي اكلناه بالامس !
وسرعان ما مضى - دياو - هذا الغول العجوز الى النهر ليصطاد السمك وسرعان ما عاد بصيد وفير .
وأمر زوجته وابنته /
- اعدوا الفطور . أما انا فسأذهب لأبحث عن صيد للغداء .
وما أن خرج حتى فتحت الغولة الصندوق واخرجت منه سليمان وهي تدفعه في ظهره نحو الباب وتقول :
- اغرب عن وجهي ايها الغريب ! يكفيني ما عانيته من خوف بسببك !
كانت الفتاة تنظف السمك كما امرها ابوها وها هي تشق بالسكين بطن سمكة كبيرة , واذا هي تشهق من المفاجئة وهي تخرج من بطن السمكة خاتماً ذهبياً . ولكن الخاتم انزلق من بين يديها وتدحرج حتى قدمي سليمان . والتقطه الملك ووضعه في اصبعه . وفي التو واللحظة عاد سليمان جباراً وحكيماً كما كان .
وقال وهو لا يخفي فرحته :
- انا الملك سليمان ! هل تريدين يا بولوك ان تصبحي زوجتي وملكة الديار ؟
واصبحت بولوك ملكة , تنام على الوسائد الحريرية , وتأكل في الاطباق الذهبية والفضية وتلبس الثياب الفخمة .
ولم يبخل سليمان عليها بشيئ وذات مرة قال لها :
- لو تشائين يا بولوك لبنيت لك قصراً من الذهب والماس
فقالت بولوك : لا حاجة بي الى قصر من الذهب والماس اذا كانت تحبني بصدق فشيد لي قصراً من عظام الطيور .
فاصدر الملك سليمان أوامره الى الطيور ان تستعد للموت حتى يأخذ عظامها لبناء القصر .
وطارت الطيور الى قصر سليمان سحباً سوداء ولبثت تنتظر نهايتها فقد كانت بلا حول امام جبروت الخاتم السحري .
وتفقد سليمان الطيور ثم قال بغضب :
- هناك طائر عصى امري وهذا الطائر اسمه السبد
فثار سليمان وامر الغراب الاسود ان يبحث عن الخائن السبد ويأتي به الى القصر .
وغاب الغراب ثلاثة ايام وعاد خاوي الوفاض اذ لم يجد للسبد اثر . وعندئذ ارسل الملك الصقر السريع الجناحين .
وعثر الصقر على السبد تحت حجر الجبل وقد اختبأ العاصي هناك فلا يطاله منقار او مخلب .
عندئذ خاطبه الصقر :
- ايها السبد المبجل ماذا تفعل ؟
فقال السبد :
أفكر في فكرة .
عندئذ أطل السبد برأسه من تحت الحجر فأطبق عليه الصقر وحمله بين مخالبه الى الملك .
والقى به عند قدمي سليمان , فدق سليمان الارض بقدمه وصاح فيه :
- لماذا لم تأت يا سبد عندما سمعت النداء ؟
فاجاب السبد :
- كنت افكر في فكرة .
- وفيم فكرت ؟
- كنت افكر ما هو الاكثر في الدينا الجبال ام السهول ؟
- حسناً والى اي شيئ توصلت ؟ .
- الجبال أكثر , اذا عددنا جبالا تلك الاكوام التي كومتها حيوانات الخلد في البيداء وهي تحفر جحورها .
وفيم فكرت ايضاً ؟
فكرت من الاكثر الاموات ام الاحياء ؟
- فمن هم الاكثر في نظرك ؟
الاموات أكثر , اذا عددنا النائمين اموات .
- وفيم فكرت ايضاً ؟
- فكرت من الاكثر : الرجال ام النساء ؟
- ومن الاكثر ؟
- النساء يا مولاي اكثر بكثير , اذا اعتبرنا من عدادهن اولئك الرجال الضعاف القلوب , الذين فقدوا صوابهم , فتراهم مستعدين لتلبية كل نزوة نسائية .
وعندما قال السبد ذلك غطى سليمان وجهه براحته ليخفي حمرة خجله : فقد ادرك الملك ما يرمي اليه الطائر الصغير .
وعلى الفور أطلق سراح رعاياه الطيور , فانطلقت تحلق وهي تشدو وتزقزق . وكان ذلك بفضل طائر
السبد الذكي الذي انقذ الطيور من الهلاك , فاختارته سيداً لها الى ابد الابدي