تتناقض الفتاوى بشأن الهيكل الثالث من حيث البناء مكاناً وزماناً وكيفاً، فمع أنهم متفقون إجمالاً على ضرورة إعادة البناء, ولا يخالفهم إلا شرائح محدودة العدد قليلة التأثير, إلا أنهم غير متفقين على توقيت البناء ولا على كيفيته ولا على مكانه، إذ إن لديهم فرضيات كثيرة عن الموقع الحقيقي الذي كان يقوم عليه الهيكل الأول والثاني, ولكن غلاة المتطرفين حسموا أمرهم على انه في الأقصى الشريف. ولكن السؤال المحير أين؟
والمطروح بحسب آخر الفتاوى أربعة خيارات:
أ- شمال الصخرة المشرفة. ب- جنوب الصخرة المشرفة.
ج- فوق الصخرة المشرفة. د- مكان حارة المغاربة بجوار البراق.
ولليهود اليوم أكثر من خمسين ألف حاخام ربعهم في "إسرائيل" أشقاهم توفيا ساجيف الذي أفتى بأن يبني الهيكل تماماً فوق كأس الوضوء, ولذلك وضعوا حجر الأساس في 25/11/2001م بقرار من المحكمة العليا أمام سمع العالم وبصره, وجهزوا أربعة حجارة لزوايا الهيكل ووزن كل منها ستة أطنان, وهي حجارة جاءت من المقلع غير محكمة ولم تمسها الأيادي والأدوات. والخلاف بينهم اليوم بخصوص توقيت البناء إذ إن بعضهم ينتظر العصر "الماشيحاني" أي عصر الأعور الدجال الذي يشرعون فيه بهدم الأقصى ويقيمون الهيكل الذي استكملوا تجهيز حجارته في كسارات أسرة ليفي- 25كم جنوب بئر السبع- وأعطوا الحجارة أرقاماً متسلسلة من الحجر رقم واحد إلى ستة ملايين, ومستوطنة بيت شلومو استولدت الأبقار تحت اشراف الخبير أرئيل يسرائيل, وتخصصت أسرة نتيف في تجهيز أدوات العبادة للهيكل المنتظر, واستكملت مصانع بوتاس البحر الميت بناء المذبح, ومعمل الخياطة التابع لعائلة تسور فنحيم جهز اللوازم القماشية للهيكل, وأما معرض أبحاث الهيكل في شارع مسغاف لداح في الحي الهيودي فإنه يعرض مجسماً للهيكل ولأدوات العبادة وملابس الحاخامات وصور ذبح القرابين والأبواق والمزامير والجولة تكلف دينارين اردنيين فقط, وجلبت حركة أمناء الهيكل صخرة عملاقة لم تمسها الأيدي أو الأدوات استعداداً لصنع العرش وتحولت مستوطن تيزهار إلى مركز روحي للخلاص اليهودي ويزورها المتطرفون من كل حدب وصوب.
والخطير في الموضوع هو انخراط الجميع في عملية إعادة بعث الهيكل التي هي بحسب الحاخام مندل تيتس ستكون ذروة عملية الخلاص, وبذلك تكون عملية قيام دولة إسرائيل اكبر جريمة في التاريخ, لأنها تمهد لهدم أول قبلة للمسلمين على وجه الأرض. إن المسألة خطيرة ومدمرة لأنها تحمل نذر حرب كونية وأهوال عالمية قادمة تأكل الأخضر واليابس, ذلك أن اليهود ومعهم المحافظين الجدد سيجرون البشرية إلى مهالك وكوارث لم تشهد البشرية لها مثيلاً, وهاهم رسل الشر من الرهبان الذين تحولوا إلى نجوم تلفزيونية أمثال بات روبرتسون وجيري فولويل وبل غراهام وجيمي سويجارت يبشرون صباح مساء بمحرقة هارمجدون ضد الوثنيين المسلمين, ويبكون على الأرض المأسوف عليها, ويتهيؤون لنهاية الكون, ومع أن المسلمين هم الضحايا. تقول أول نشرة صدرت عن السفارة المسيحية الدولية الغربية في القدس عام 1980م تقول: "إن الروح الشريرة في الإسلام مسؤولة عن العبودية الروحية في العالم العربي وعن موقف العداء الشديد لإسرائيل في جميع امم الشرق الأوسط إذ إن هناك مسجد إسلامي في أقدس بقعة في جبل الهيكل وهذا وصمة عار للموقع المقدس للهيكل". وهناك آلاف النصوص مثل هذا النص وأسوأها صدرت عن شخصيات وهيئات مسيحية متصهينة في الغرب والهدف واحد. وأما اليهود فلا تكاد تجد شخصية سياسية أو دينية منهم إلا ولها عدد من التصريحات الإرهابية, ومثال ذلك ما قاله جورشن سلمون عضو قيادة حزب حيروت سابقاً ورئيس أمناء الهيكل. "إن من غير المعقول أن يبقى المسجد الأقصى قائماً بعد 1300سنة بينما شعب إسرائيل يعود إلى وطنه". لقد استخدمت إسرائيل كل الوسائل للبحث عن الهيكل المزعوم, وزودوا الحاخام توفيا ساجيف بطائرة هيلوكبتر ووفروا له أجهزة الرادار المتطورة وأجهزة الحاسوب الدقيقة والأشعة تحت الحمراء واستخدموا المسح الحراري دونما نتيجة تذكر, اللهم إلا ما سبق قوله في القرن التاسع عشر من الأثري البروفسور بنيامين مازار الذي لخص تخبطهم العلمي بجملة واحدة: "لا أحد يعرف المكان الذي كان فيه الهيكل", وأما حفيدته الباحثة الأثرية فتوصلت إلى نتيجة: " ببساطة ليس هناك أثر للهيكل". وإن أخطر ما في السياسة الأمريكية هو البعد الديني القائم على النبوءات التوراتية والمسيحية المحافظة المتصهينة التي تعتقد أن ثلاثة أشارات يجب أن تستبق عودة المسيح المخلص: الإشارة الأولى قيام إسرائيل وقد قامت عام 1948م، والإشارة الثانية: احتلال أورشليم وقد احتلت عام 1967م، والإشارة الثالثة: بناء الهيكل في الألفية الجديدة على إنقاض الأقصى المبارك. العد التنازلي يبدأ عام 2005وهذه ستكون بشرى عودة المنقذ ومن العار أن يعود المنقذ ولا يجد الهيكل!